top of page
مدير النشر

هل تسعف حكومة الوحدة الوطنية الائتلاف الحاكم في تونس


يوم الأربعاء 22 يونيو كان تاريخ الاجتماع الأول للأحزاب والمنظمات في قرطاج لمناقشة مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي التي أعلن عنها في حوار تلفزيوني يوم 3 يونيو حول ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية وفي الوقت الذي التحقت فيه ثلاثة أحزاب معارضة بالحوار؛ اثنان منها برلمانيان هما حركة الشعب والحزب الجمهوري، وثالث غير ممثل في البرلمان هو حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، صدر بيان الجبهة الشعبية الذي يقضي برفضها المشاركة في الحوار حول مبادرة رئيس الجمهورية الداعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية

وبهذا الموقف يعود الفرز إلى طبيعته بين ائتلاف يميني ليبرالي حاكم، ومعارضة يسارية اجتماعية صلبة رافضة لأي شكل من أشكال الالتفاف ومُدينة لمنهج الائتلاف الرباعي الحاكم وخياراته الذي يكرّس السير الحثيث نحو التبعية وفقدان السيادة عبر الخضوع الكامل لإملاءات الصناديق المالية الدولية

برّرت الجبهة الشعبية رفضها المشاركة في المشاورات باعتبار حكومة الوحدة الوطنية شعارا فضفاضا مفرغا من محتوياته الحقيقية دون تقييم حقيقي لمعرفة أسباب الفشل والمتسببين فيه. فليست الغاية من هذه المبادرة توحيد صف التونسيين لإنقاذ بلدهم، بل إسعاف الائتلاف الحاكم وتوفير ما يلزمه من غطاء سياسي واجتماعي ليمرّر قراراته الموجعة التي تضغط المؤسسات المالية المانحة في اتجاه تثبيتها بسرعة

هذه القرارات المؤلمة لا يتمّ تقديمها على حقيقتها بل بشكل مخاتل في شكل إصلاحات وقوانين تعديلية مثل قانون البنوك الذي أسقطته المعارضة دستوريا، وأعاده الائتلاف الحاكم بسرعة للنقاش في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي يعلق جزءا كبيرا من قرض منح لتونس حتى استكمال المصادقة على هذا القانون. ولكن المعارضة طعنت في القانون من جديد أمام الهيئة العليا الوقتية لمراقبة دستورية القوانين

إشارات كثيرة تدلّ على أن المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي يتدخلان في الشأن الداخلي لتونس. ولم تكن مبادرة رئيس الجمهورية التي تقضي ضمنيا بالتخلي عن الحبيب الصيد الورقة التي راهن عليها لتولي قيادة حكومة الائتلاف الرباعي إلا بإيعاز ممن يسميهم السبسي شركاء تونس، وهو يقصد هذه البنوك الدولية والاتحاد الأوروبي

فالاتحاد الأوروبي يلوح بورقة اتفاقية الشراكة مع تونس، والبنوك الدولية تحفر عميقا في جرح المديونية الذي صار يهدد مستقبل التونسيين وسيادتهم بصورة كبيرة، إذ يشبّه الكثير من الخبراء حجم المديونية الذي بلغ عتبة 55 بالمئة بذاك الذي عرفته تونس نهاية القرن التاسع عشر والذي أفقدها سيادتها على أراضيها وقرارها وفرض عليها الحماية الفرنسية

لم ينجح السبسي في مراودة الجبهة الشعبية عنوان المعارضة الأكبر في تونس بشعار الوحدة الوطنية. ولكنه في المقابل مازال يراهن بقوة على مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في المشاورات. ورغم أن الهدف الرئيسي المعلن لمبادرة السبسي كان إشراك اتحاد الشغل واتحاد الأعراف في الحكومة، فإن الاتحاد حسم هذه النقطة بإعلانه الرفض المطلق للمشاركة في الحكم. ولكن السبسي مازال يطمح إلى تحييد الاتحاد ونيل دعمه للحكومة المقبلة بما قد يؤدي إلى توقيع هدنة اجتماعية بسنتين يراها رئيس الجمهورية ضرورية لإنجاح عمل الحكومة المقبلة

تبقى المشكلة الحقيقية في برنامج الحكومة المقبلة وخياراتها. فالاتحاد والجبهة كانا يتشاركان نفس التقييم تقريبا ونفس الرؤى المعارضة لخيارات الحكم في تونس منذ 2011 إلى اليوم؛ إذ العناوين الكبرى المختلفة تقع خارج دائرة طرح الائتلاف الرباعي، من ذلك التدقيق في المديونية واستعادة الأموال المنهوبة المهربة ومقاومة التهريب والتهرب الجبائي والتنمية الداخلية وفكّ الارتباط بدوائر المال الأجنبية تدريجيّا

النقطة الخلافية الكبرى مع اتحاد الشغل هي المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية وأنظمة التقاعد التي كادت تفجر أزمة حقيقية بين الحكومة واتحاد الشغل منذ شهرين. فالائتلاف الرباعي يناور في هذه النقطة ولكنه لم يُبدِ أي تراجع عن خيارات خصخصة الشركات العمومية الكبرى ومراجعة نظام التقاعد عبر التأخير في سنّ العمل إلى ما بعد 60 سنة ومعالجة أزمة إفلاس الصناديق الاجتماعية الذي بلغ 500 مليون دينار بالتقليص في جرايات التقاعد للأجراء

الضمان الاجتماعي مكسب قديم للشعب التونسي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. وتمّ تقنين هذا التقليد سنة 1960 وهو يضمن حقوق العمال والأجراء في تقاعد مريح يكفل لهم كرامتهم ويعبر عن الامتنان لهم لما قدّموه لوطنهم من خدمات ومجهودات

ولقد فشل نظام زين العابدين بن علي في الالتفاف على مكسب الضمان الاجتماعي والتقاعد للتونسيين رغم مشروع الإصلاح الهيكلي الذي حاول تطبيقه منذ 1991 بتوجيه من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. نفس المشروع يعود اليوم عبر الهجوم الشرس على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجراء. ولم تنجح حكومات ما بعد الثورة في تمرير إملاءات الصناديق المالية الدولية إلى اليوم. فكيف ستتصرف حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها حيال هذا الملف؟

انتهى اجتماع الأربعاء بإشراف رئيس الجمهورية والذي شارك فيه الاتحاد العام التونسي للشغل في قصر قرطاج إلى الاتفاق على روزنامة وتكليف لجنة ممثلة لمختلف الأطراف الحاضرة في الاجتماع تُعهدُ لها مهمة إتمام النظر في المقترحات المقدمة من الحاضرين وإعداد وثيقة في الغرض يتم عرضها خلال اجتماع ثان سيعقد الأسبوع المقبل

وطبعا ستجد هذه اللجنة أمامها هذه الملفات الكبرى التي تتباين فيها المواقف بين أحزاب الائتلاف الحاكم واتحاد الصناعة والتجارة من جهة، وبين الاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب المعارضة المشاركة من جهة ثانية. وسيكون الخلاف أكبر من النوايا لأن شعارات الوحدة الوطنية لن تفيد كثيرا أمام الخيارات والتوجهات التي على ضوئها سيتحمل كل طرف مسؤوليته

بمعنى آخر يطالب الاتحاد العام التونسي للشغل باقتصاد تضامني تكافلي وبالحفاظ على مكاسب الأجراء وباحترام الاتفاقيات المبرمة مع الحكومة وهي كثيرة جدا وقع الالتفاف عليها وعجزت الحكومة عن الإيفاء بأغلبها، بينما يميل الائتلاف الحاكم إلى سياسة ليبرالية قائمة على تحرير التجارة وتحرير الأسعار وتحرير سوق الشغل وتسهيل انتصاب رأس المال الأجنبي في تونس ورفع الدولة يدها عن التشغيل والتوظيف

اتحاد الشغل والائتلاف الرباعي اليميني خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا، فهل يمكن أن تحصل المعجزة ويلتقيا كما التقى نداء تونس وحركة النهضة؟

المصدر العرب مصطفى القلعي كاتب وباحث سياسي تونسي

bottom of page